العصفورة المجنونة (8)..



بقلم - حسن الوريث
.. عذرا فخامة الرئيس. بدأت أتعود على تأخر العصفورة ولم أعد أقلق كثيرا لأنها كلما تأخرت جاءت لنا بأخبار ومواضيع تهمنا جميعا نحاول من خلالها إيصال رسائل إلى من يهمه الأمر لعل وعسى يتم إصلاح ما أفسده الدهر وعموما كنت في البيت مع ابني وصديقي الصغير عبد الله نتحدث عن الرياضة وهمومها فإذا بها تأتي ترفرف بجناحيها الصغيرين وهي التحية المعتادة منها ودار الحوار بيننا عن الجديد الذي جاءت به ولكني انشغلت عنها قليلا بالرد على الهاتف وبعد أن أنتهت المكالمة سألتني قائلة ..
هل ترد على كل المكالمات التي ترد اليك ؟ قلت لها غالبا الا في حالة كنت في اجتماع او عمل هام فقط ارد برسالة لابلاغ المتصل بأني مشغول وساعاود الاتصال به فيما بعد .. فعادت لتسالني وهل تغلق تلفونك تجنبا للازعاج؟ قلت لها لا .. الا في حالات نادرة جدا وعموما لماذ هذه الأسئلة الغريبة ؟ هل اتصلتي بي ولم ارد عليك ؟ قالت لي .. لا.. لم اتصل ولكني اليوم كنت في مكان ما قريب من إحدى الوزارات وسمعت شخص وهو يكلم نفسه والتلفون في يده ولولا اني أمسكت به لكان رمى تلفونه إلى الأرض وحين سالته عن السبب قال ان لديه معاملة في إحدى الوزارات ربما لا يستغرق إنجازها دقائق معدودة لكنهم قالوا له يجب أن يسلمها لإدارة خدمة الجمهور لتأخذ مجراها الطبيعي كما قيل له .. قلت له إلى هنا والأمر جيد فماذا عملت وما دخل تلفونك لتكسره وترميه؟ .
أجابني بمرارة تصدقي ان المعاملة التي لا تستغرق دقائق لها اكثر من أسبوع وكلما أتيت إلى خدمة الجمهور يبلغني المختص ان معاملتي مازالت فوق ولم تنزل إليهم وعندما خرجت من الوزارة رأيت لوحة طويلة عريضة مزخرفة فيها كل الكلام المنمق والخدمات التي تقدمها الوزارة للمواطنين وفيها رقم مكتوب عليه رقم الشكاوى المجاني فقررت الاتصال به واشكو لهم عن تأخر معاملتي.. فقلت له جيد وهذا من باب التسهيل للمواطنين الذين يريدون إيصال شكاواهم.. قال لي انتي مجنونة او ايش.. رغم أنه أتهمني بالجنون لكني كنت متعاطفة معه كثيرا وواصلت الاستماع له وهو يقول لي ..اتصلت برقم الشكاوى وبعد جهد وانتظار أجابني شخص وهو يتحدث بنبرة انزعاج ماذا تريد .. قلت له ان معي معاملة لها اكثر من أسبوع لديكم وبعد أن أخذ تفاصيلها أبلغني بأنها مازالت في مكتب وكيل الوزارة وأنه خارج العاصمة ولم يوقعها وعندما قلت له أنها بسيطة مجرد تعميد تقرير طبي اشتد غضبه وقال لي عليك ان تحمد الله فهناك معاملات لها اكثر من معاملتك فاغلقت التلفون وانا اقول له .. أغلقوا خدمة الجمهور واغلقوا تلفون الشكاوى واغلقوا الوزارة إذا كانت معاملتها للمواطن هكذا .. وتابع قائلا والله اني شفت أشخاص كانوا يسلموا معاملتهم لواحد في البوابة وبعد دقائق يستلموها جاهزة لكني قلت لايمكن الا أن اتبع الطرق والوسائل الرسمية .. فحاولت تهدئته ووعدته بأن أنقل قصته الى الجهات المسئولة .. وحين انهت العصفورة حكايتها مع هذا المواطن المسكين قالت لي ما رأيك فيما يحدث ؟ وهل يمكن ان يكون التعامل مع الناس هكذا بكل برود من جهات يفترض بها خدمة الناس ؟ .
قلت لها وكان ابني وصديقي الصغير معي يسمع للحوار بيننا.. لا تستغربي مما يحدث فهناك حكايات عن خدمات الجمهور والشكاوى في الجهات ربما تدخل في موسوعة غينيس الجهات التي تتعمد تعذيب الناس قلا يوجد مثلها في العالم .. فقاطعني صديقي العزيز بقوله.. سمعت في التلفزيون ان كل الوزارات افتتحت مكاتب لخدمة الجمهور ومكاتب للشكاوى وشاهدت كل الوزراء والمسئولين وهم يفتتحون هذه المكاتب .. وقالوا أنها للتخفيف على الناس ومنع ابتزازهم وان من يثبت تورطه في عرقلة المواطن سيتم معاقبته .. قلت له ياصغيري العزيز كلام التلفزيون في واد والواقع في واد آخر فكل ما سمعناه عن كان لمجرد الاستهلاك الإعلامي فقط اما الواقع فهو غير ومكاتب خدمات الجمهور هي لتعذيب الجمهور وليس لخدمتهم والواقع يؤكد هذا الكلام..فقاطعتني العصفورة وقالت لي .. اتعرف الشخص الذي تحدثنا عنه والذي كان لديه معاملة في التعليم العالي ؟ قلت لها نعم .. قالت وجدته وابلغني بأنه بعد ذلك العذاب والتعذيب وحين تملكه اليأس والإحباط من المعاملة السيئة وعرقلة معاملته سلم معاملته لواحد وسلمه خمسة آلاف ريال وبعد دقائق كانت معاملته جاهزة موقعة ومختومة واستلمها بكل سهولة ويسر .. فقلت لها للأسف هذا واقعنا .. وان اندفاع الناس وراء بعض المشاريع مثل مشروع خدمة الجمهور والشكاوى كان الغرض منه شيء آخر غير خدمة المواطن وتبسيط الإجراءات أمامه وان معظم أرقام الشكاوى في الوزارات والمؤسسات والهيئات والجهات مغلقة في غالب الأوقات وانا جربت أكثر من مرة وخاصة رقم البنك المركزي الذي كان مغلقا طوال الوقت وان من يرد من هذه الأرقام يكون الجواب على المواطن كما ردوا على هذا الشخص بأن عليه ان يحمد الله لان معاملته التي تستغرق دقائق لم يمر عليها سوى أسبوع ..
قالت لي العصفورة مارايك انت وصديقك الصغير في هذا الوضع ؟ وهل يمكن ان ننقل رسالة ذلك المواطن الذي حملني أمانة نقلها ؟ فقلت لها نعم انا وانتي وصديقي الصغير رسالتنا هذه المرة إلى فخامة الرئيس لنقول له .. عذرا فخامة الرئيس فكل ما تشاهده في التلفزيون وتقارير الجهات عن خدمة الجمهور معظمها زيف وخداع وان الكثير من هذه الإدارات تحولت إلى أماكن لتعذيب الناس وابتزازهم وان إصلاح الأوضاع لا يأتي من تحت السلم بل من الأعلى.. فإذا كان المسئول الأول في الجهة لا يدري ما الذي يحدث في جهته فلا يمكن ان يقوم الموظف بواجباته بأمانة وإخلاص وإذا كان الخلل لدى المسئول الذي يعيش في برجه العاجي فلا يمكن ان تصلح الأمور وإذا لم يكن الهدف الحقيقي لدى اولئك المسئولين هو خدمة الناس فلا نتوقع أن ننجح في عملنا .. واذا كان العمل في معظمه للاستهلاك الاعلامي فسنقول لكم .. عذرا فخامة الرئيس فخدمة الجمهور لتعذيب الجمهور وارقام الشكاوى مغلقة.. وعذرا فخامة الرئيس.. فاصلاح الخلل لا يأتي من خدمة الجمهور بل من معاقبة كل مسئول لا يقوم بمهام مسئولياته على الوجه الأكمل.. وفي الختام نتمنى ان تكون رسالتنا انا وصديقي الصغير والعصفورة وصلت اليكم .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال